لم يكن الإقصاء المبكر للمنتخب الجزائري لكرة اليد في مونديال كرواتيا، الدنمارك، والنرويج سوى انعكاس واضح للأزمة العميقة التي تمر بها كرة اليد الجزائرية، والتي تزاوجت بين الأزمة الاقتصادية وسوء التسيير داخل الهيئات الرياضية.
خسارة المنتخب الوطني ثلاث مباريات متتالية، بما في ذلك خسارته بصعوبة أمام تونس، ليست سوى القمة الظاهرة لجبل الجليد.تواجه الاتحادية الجزائرية لكرة اليد أزمة مالية خانقة، حيث بلغت ديونها 27 مليار سنتيم، وهو رقم يعكس عمق الفجوة المالية التي تعاني منها. هذه الأزمة أثرت بشكل مباشر على تحضيرات المنتخب الوطني، حيث اكتفى بمعسكر واحد فقط في مركز المنتخبات الوطنية بفوكة وثلاث مباريات ودية جرت أسبوعًا قبل انطلاق البطولة. هذا التحضير الباهت يعكس غياب التخطيط وعدم القدرة على تأمين الموارد المالية الكافية لضمان إعداد جيد للمنتخب.الأزمة المالية ليست سوى جانب واحد من المشكلة. سوء التسيير داخل الاتحادية ألقى بظلاله على أداء المنتخب. منذ تولي القيادة الحالية للاتحادية، لم تظهر أي خطة استراتيجية واضحة لتطوير كرة اليد الجزائرية، بل ساد العشوائية في القرارات. إقالة المدرب السابق صالح بوشكريو، المعروف بكفاءته، واستبداله بمدرب يفتقر للمعايير الاحترافية، عكست توجهات غير مدروسة أثرت سلبًا على مستوى المنتخب.رئيسة الاتحادية الحالية، التي تفتقر إلى الخبرة في مجال كرة اليد، لم تنجح في استغلال الإنجازات السابقة للمنتخب، مثل الوصول إلى نهائي بطولة أمم إفريقيا بمصر، لجذب الرعاة أو تعزيز التمويل. بدلاً من ذلك، استمرت الأزمات المالية والإدارية بالتفاقم، مما أضعف المنتخب الوطني بشكل ملحوظ. تصريحات الحارس السابق للمنتخب الوطني، داود عميروش، تعكس بوضوح هذه الأوضاع. فقد أشار إلى أن الوزير السابق حماد عبد الرحمان يتحمل جزءًا من المسؤولية بسبب سماحه باستمرار سوء التسيير، وأكد أن رئيسة الاتحادية الحالية تعمل دون رقابة أو محاسبة، مما زاد من تعقيد الأزمة.وأوضح عميروش أن المشكلة تفاقمت بعد إبعاد المدرب السابق صالح بوشكريو الذي كان يقوم بعمل جبار ولا يسمح بالمحاباة أو اختيار لاعبين دون كفاءة. وبدلاً من ذلك، تم تعيين مدرب جديد يختار اللاعبين على أسس غير احترافية، وهو ما أدى إلى تشكيل فريق لا يستطيع المنافسة حتى أمام منتخبات أفريقية متوسطة المستوى. وأضاف أن رئيسة الاتحادية لم تمارس كرة اليد من قبل ولا تحمل شهادة في هذا المجال، ورغم ذلك تدعي معرفة أفضل من المدربين المحترفين. كما أشار إلى أن مؤامرات داخلية، مثل تلك التي قادتها مع رابح غربي لإبعاد بوشكريو، ساهمت بشكل كبير في تدهور مستوى المنتخب.سقوط مولودية الجزائر، أحد أعمدة كرة اليد الوطنية، إلى القسم الثاني أضاف مزيدًا من الضغوط، حيث كانت المولودية تُعتبر مصدرًا رئيسيًا لتزويد المنتخب باللاعبين المتميزين. انهيار النادي نتيجة سوء التسيير أدى إلى تراجع المستوى العام للبطولة الوطنية، ما انعكس سلبًا على الأداء الدولي.الاتحادية التي تعاني من ديون ثقيلة لم تبذل الجهود الكافية لمعالجة أزمتها المالية. غياب الشفافية في الإدارة وافتقار القيادة الحالية لأي رؤية اقتصادية أو إدارية واضحة جعل الوضع أكثر تعقيدًا. الاستمرار في هذا النهج يهدد بمزيد من التراجع، ليس فقط على مستوى المنتخب، بل أيضًا على مستوى كرة اليد الوطنية ككل.المسؤولية تقع الآن على عاتق السلطات الرياضية في الجزائر للتدخل العاجل. كرة اليد الجزائرية بحاجة إلى إصلاح شامل يبدأ من إعادة هيكلة الاتحادية ووضع استراتيجيات محكمة لجذب الرعاة وسداد الديون. الحلول المؤقتة أو الترقيعية لن تجدي نفعًا أمام عمق الأزمة، وما لم يتم اتخاذ خطوات جريئة، فإن كرة اليد الجزائرية قد تواجه مستقبلًا أكثر قتامة.